.ولذلك فإن الله تبارك وتعالى سمى هذا النجم (الطارق) وهنا أحب أن أشير إلى أن العلماء يسمونها النجوم النابضة، وهذه التسمية غير دقيقة لأن العلماء ظنوا في بداية الأمر أن هذه النجوم تشبه نبضات القلب، ولكن بعد ذلك تبين لهم أن التسمية الأدق هي تسمية مطرقة أو مطارق، فأسموها المطارق العملاقة، وبالفعل فإن الصوت الذي تصدره هذه النجوم يشبه تماماً صوت المطرقة.
|
يؤكد علماء وكالة ناسا أن هذه النجوم تصدر أصوات نبض أو خفقان، وهذا ما يطرحونة من خلال موقعهم ويتساءلون عن سره فيقولون: What is a Pulsar and What Makes it Pulse? Simply put, pulsars are rotating neutron stars. And pulsars pulse because they rotate! |
اعتراضات المشككين والرد عليها
يقول المشككون إن الصوت لا ينتشر في الفراغ فكيف علمتم بأن هذه النجوم تصدر صوتاً يشبه صوت المطرقة؟ ونقول كلامكم صحيح! فالصوت لا ينتشر في الفراغ ولذلك نحن لا نسمع صوت هذه النجوم وهذا من رحمة الله علينا لأن صوتها لو وصلنا لصم آذاننا على الفور!! ولكن العلماء بعدما حللوا الأمواج الراديوية ودرسوا آلية عمل هذه النجوم وجدوا أنها تصدر هذه الأصوات، وهذا ما يقوله علماء وكالة ناسا!
ففي بحث نشرته وكالة ناسا يؤكد فيه البروفسور Tod Strohmayer أثناء حديثه عن اكتشاف في عالم النجوم النيوترونية فيقول بالحرف الواحد:
"We think this explosion, the biggest of its kind ever observed, really jolted the star and literally started it ringing like a bell,"
وهذا يعني أن الانفجار الذي رصده العلماء والذي تشكل بنتيجته هذا النجم هو أعنف انفجار رآه العلماء حتى الآن، فقد أحدث هزة عنيفة للنجم وجعله يدق مثل الجرس!
كما يؤكدون أن هذه النجوم تبث إشعاعات هي الألمع من نوعها فهي تطلق أشعة تبهر الأبصار وهنا نتذكر الوصف الإلهي لهذا النجم بأنه (ثاقب) وقد فسر المفسرون هذه الكلمة بقولهم: النجم الثاقب أي اللامع، وهو ما يعبر عنه العلماء بكلمة hyperflare أي ضوء يبهر الأبصار [9].
|
يؤكد البروفسور Richard Rothschild من جامعة كاليفورنيا أن النجوم النابضة تنتج عن انفجارات النجوم وتبث كميات هائلة من الإشعاعات التي تعتبر الأشد لمعاناً وهي تعمل مثل المطرقة التي تدق، فيقول بالحرف الواحد: "This explosion was akin to hitting the neutron star with a gigantic hammer, causing it to ring like a bell," هذا الانفجار كان شبيهاً بضرب نجم نيوتروني بمطرقة عملاقة وهذا ما يجعل النجم يدق مثل الجرس. ويؤكد هذا الباحث أن الضوء الصادر عن مثل هذه الانفجارات عظيم جداً great flares فقد بث هذا النجم خلال عشر ثانية ما تبثه الشمس خلال 150000 سنة من الضوء!!! وهنا نتذكر كلمة (طارق) وكلمة كلمة (ثاقب) فهاتين الكلمتين دقيقتان جداً من الناحية العلمية، أليس هذا ما فعله القرآن عندما عبر عن هذه النجوم بكلمتين (الطارق... الثاقب)؟؟ |
ما هو الثاقب؟
بعد دراسة طويلة لهذه المخلوقات الكونية وجد العلماء أن هذه النجوم تصدر موجات أسموها موجات جذبية تشبه موجات الجاذبية الأرضية، ولكن أقوى بملايين المرات، هذه الموجات موجات يصدرها هذا النجم النيوتروني، ويقول عنها العلماء بالحرف الواحد (إنها تثقب وتخترق أي شيء تصادفه) حتى إن الكرة الأرضية تُخترق بالكامل من قبل هذه الموجات التي تبثها النجوم النيوترونية أو المطارق الكونية.
ولذلك فإن الله تبارك وتعالى عندما سماها بالنجم الثاقب، فإن هذه التسمية دقيقة جداً علمياً، ويستخدمها العلماء اليوم، ويقولون إنها تخترق أي شيء، حتى إن هذه النجوم تصدر أيضاً أشعة كونية من مادة اسمها النيوترينو وهي جسيمات صغيرة جداً لا شحنة لها، تبثها هذه النجوم وتصل إلى الأرض وتخترق الغلاف الجوي، وتخترق أجسامنا، وتخترق الأرض بالكامل، حتى إنهم نزلوا إلى أعماق البحار فوجدوا آثاراً لهذه الجسيمات الصغيرة (نيوتريونو) ونزلوا إلى أعمق نقطة على سطح اليابسة ووجدوا آثاراً لهذه الجسيمات الدقيقة، ولذلك فإن كل شيء تبثه هذه النجوم يعتبر ثاقباً وخارقاً لأي شيء.
|
عندما ينضغط النجم على نفسه، وترتفع درجة حرارته إلى ملايين الدرجات فإن هذه الحالة تجعل الجسيمات تنصهر مع بعضها لتشكل النيوترونات ويصبح لدينا النجم النيوتروني، ويتحول ذلك النجم الكبير الذي هو خمسة أضعاف كتلة الشمس والذي يبلغ قطره ملايين الكيلو مترات، يتحول إلى نجم صغير لا يزيد قطره عن عشرين كيلو متراً. فتخيلوا معي أن نجماً يبلغ وزنه خمسة أضعاف وزن الشمس، ويبلغ قطره ملايين الكيلو مترات أنه فجأة يتحول إلى نجم نيوتروني، قطر هذا النجم النيوتروني عبارة عن 20 كيلومتر فقط. المرجع: وكالة ناسا. |
لماذا أقسم الله تبارك وتعالى بهذه المخلوقات الكونية العظيمة؟
لنتأمل هذه السورة بشيء من التدبر والتأنّي: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ، النَّجْمُ الثَّاقِبُ، إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) [الطارق: 1-4]. تأملوا معي كيف ربط الله تبارك وتعالى بين النفس والملائكة التي تحفظ علينا أقوالنا فكل إنسان وكَّل الله له ملائكة تحفظ وتكتب كل كلمة ينطق بها، وكل حركة يقوم بها، بل كل فكرة قد تخطر بباله: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) [الطارق: 4].
ويقول العلماء اليوم: إن هذه النجوم النيوترونية أو الثاقبة تُصدر هذه الموجات وتصدر هذه الطرقات بدقة مذهلة، حتى إنهم يعتبرونها من أدق الساعات الكونية على الإطلاق، يعني هذه النجوم أدق من أي ساعة على الأرض، فهي تصدر هذه الطرقات بصورة شديدة الانتظام، ولا تخطئ في عملها أبداً.
فكأن الله تبارك وتعالى يخاطب الناس جميعاً ويقول لهم: كما أن هذه النجوم التي خلقتها وحدثتكم عنها وعن عملها ودقتها، كما أنها دقيقة في عملها ولا تخطئ، كذلك فقد وكَّلت عليكم ملائكة لا تخطئ في كتابتها أبداً، لا تخطئ في كتابة أي شيء أبداً يصدر عنك أيها الإنسان، فكل شيء مكتوب ومحسوب، ولا يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء.
وإذا ما تتبعنا سلسلة الآيات، نلاحظ أن الله تبارك وتعالى يحدثنا عن آيات أخرى أيضاً لنصل إلى هدف نهائي أبعد من هذا الهدف: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ * فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) الله تبارك وتعالى أقسم بهذه المخلوقات: بالسماء ذات الرجع، وبالأرض ذات الصدع، وأقسم بهذه النجوم، على أن هذا القرآن هو القول الفصل، فكما أن هذه السماء لا تخطئ في عملها ولا يوجد هناك خلل واحد في الكون، كذلك هذا القرآن لا يخطئ أبداً: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [سورة الطارق].
ويحاول العلماء اليوم التعرف من خلال هذه النجوم على طبيعة المادة في الكون وكيف تشكلت، فهم يعتقدون أن نواة النجم الطارق تحوي جسيمات تسمى "كواركات" وهي كتل بناء البروتون والنيوترون، ويقولون إن دراسة هذه النجوم تساعد على معرفة أصل تشكل النجوم والمادة في الكون. ومن هنا ربما ندرك لماذا جاء الأمر الإلهي للإنسان أن يبحث عن أصله: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ) وكأن هذه السورة تربط بين أصل تشكل المادة والطاقة في الكون من خلال دراسة هذه النجوم، وأصل الإنسان من خلال دراسة النطفة التي خُلق منها!
وهذا الارتباط يؤكد أن القرآن مترابط، أي هناك علاقة بين النجم الطارق وبين خلق الإنسان، فالنجم الطارق (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) هو دليلنا لمعرفة أصل المادة والطاقة، والماء الدافق (خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ) هو دليلنا لمعرفة أصل الإنسان فتأملوا معي هذا الترابط العجيب!!
|
مقالة منشورة على أحد المواقع المهتمة بأخبار الفضاء بعنوان: النجوم النيوترونية تدق مثل جرس، وجاء في هذه المقالة: A crusty star is ringing like a bell after one of the biggest explosions ever witnessed in the universe, Nasa revealed this week. |
وقفة تأمل
بعد هذه الحقائق اليقينية هل هناك شك في أن النجوم النابضة تصدر صوتاً! وهل هناك شك أن هذه الأصوات تشبه صوت المطرقة وأن العالم الأمريكي Richard Rothschild شبهها بالمطارق العملاقة gigantic hammer وهل هناك شك أن هذه النجوم تصدر أشعة متوهجة هي الأكثر إشعاعاً؟ فكلمة الثاقب كما قال ابن عباس هو المضيء (تفسير ابن كثير)، وفي معجم القاموس المحيط: ثقب الكوكب: أضاء. إذاً النجم الثاقب هو المضيء اللامع، وهذه الصفة تنطبق على هذه النجوم، والطارق هي صفة تنطبق أيضاً على هذه النجوم، ولذلك فإن هذا البحث صحيح لا يتطرق إليه الشك، والله أعلم.
ثم إن قول الملحدين إنكم تخالفون التفسير القديم للآية وما فهمه العرب قديماً حيث قال قتادة: إنما سُمِّي طارقاً لأنه يُرى بالليل ويختفي بالنهار، وسؤالنا: إذا كنا سنعتمد التفسير القديم فلا داعي للإعجاز العلمي! إن الإعجاز العلمي هو فهم جديد لمعاني الآيات يتفق مع المعطيات العلمية الحديثة لإثبات أن القرآن لا يناقض العلم. ونقول: لو اعتمدنا التفسير القديم لجاء الملحدون ذاتهم وقالوا إن القرآن يحوي أخطاء علمية لأن هذه النجوم حقيقة لا تختفي كما يقول التفسير! وبالفعل إنها تختفي بالنسبة لنا (بسبب أشعة الشمس في النهار) ولكن الذي يخرج خارج الأرض يرى هذه النجوم باقية ليلاً نهاراً! لذلك المفسرون لم يكن لديهم هذه الحقائق العلمية ولو كانت لديهم لاستخدموها في تفسير الآيات.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل في هذه الحقائق العلمية والكونية والقرآنية وسيلة لهداية أولئك المشككين بهذا القرآن، وسيلة يزيدنا بها حباً وتعظيماً لهذا الدين العظيم، واعتزازاً بانتمائنا لهذا الدين، ووسيلة أيضاً لأولئك الملحدين كي يروا من خلالها عظمة هذا القرآن وصدق رسالة الإسلام.